ثم ألست ترى معي أن هذه العبارة الكريمة في بضع سنين قد حاطت هاتين النبوءتين بسياج من الدقة والحكمة لا يترك شبهة لمشتبه ولا فرصة لمعاند لأن البضع كما علمت من ثلاثة إلى تسع والناس يختلفون في حساب الأشهر والسنين فمنهم من يؤقت بالشمس ومنهم من يؤقت بالقمر ثم إن منهم من يجبر الكسر ويكمله إذا عد وحسب ومنهم من يلغيه يضاف إلى ذلك أن زمن الانتصار قد يطول حبله فتبتدئ بشائره في عام ولا تنتهي مواقعه الفاصلة إلا بعد عام أو أكثر ونظر الحاسبين يختلف تبعا لذلك في تعيين وقت الانتصار فمنهم من يضيفه إلى وقت تلك البشائر ومنهم من يضيفه إلى يوم الفصل ومنهم من يضيفه إلى ما بينهما لذلك كله جاء التعبير بقوله جلت حكمته سيغلبون في بضع سنين من الدقة البيانية والاحتراس البارع بحيث لا يدع مجالا لطاعن ولا حاسب وظهر أمر الله وصدق وعده على كل اعتبار من الاعتبارات وفي كل اصطلاح من الاصطلاحات ومن أصدق من الله قيلا
المثال الثاني إنباء القرآن بأن الله عاصم رسوله وحافظه من الناس لا يصلون إليه بقتل ولا يتمكنون من اغتيال حياته الشريفة بحال وذلك في قوله عز و جل والله يعصمك من الناس ولقد تحققت نبوءة القرآن هذه ولم يتمكن أحد من أعداء الإسلام أن يقتله عليه الصلاة و السلام مع كثرة عددهم ووفرة استعدادهم ومع أنهم كانوا يتربصون به الدوائر ويتحينون الفرص للإيقاع به والقضاء عليه وعلى دعوته وهو أضعف منهم استعدادا وأقل جنودا فمن الذي يملك هذا الوعد وتنفيذه إذن إلا الله الذي يغلب ولا يغلب والذي لا يقف شيء في سبيل تنفيذ مراده وهو القاهر فوق عباده وإن لم تصدقني فسل التاريخ والمؤرخين كم من الملوك والأمراء والفراعين ضرجت الأرض بدمائهم وهم بين جنودهم وخدمهم وحشمهم
فهل يمكن بعد هذا أن يكون القرآن الذي احتوى ذلك الضمان من كلام محمد وهو